الأربعاء، 8 أغسطس 2012

محمد بن العلوي يكتب: عادل إمام وعملية التوريث

عادل إمام و عملية التوريث بقلم:محمد بن امحمد العلوي
لقد كان سقوط النظام المصري السابق مناسبة سانحة لمن كانت له حسابات لم تسوى مع النجم الكوميدي عادل إمام ليتعرض لحملة شعواء من الانتقاد و التجريح ورفع الدعاوى أمام القضاء المصري من اجل الانتقام و أخده بما فات من علاقاته مع صناع القرار المصري .
ومن الممكن ان تنتقده فنيا و تقنيا وتعلق على أعماله حسب رؤيتك و فلسفتك ،و ربما تتفق مع ما ذهب إليه في توصيل الفكرة و الدفاع عنها او تتعارض معه على طول الخط . لكن كلنا مارسنا الضحك مع أفلامه و مسرحياته فكان مبدعا في تعرية نواحي كثيرة من واقعنا و المغطى بوحل الخوف و اللامبالاة ، وعادل إمام مهما بالغت بعض الأقلام في النيل منه لأغراض لا يعرفها إلا كاتبها ومع ذلك يبقى فنانا محبوبا وموهوبا وعلى درجة كافية من الشهرة التي صقلها بكده و اجتهاده . وبعد ثلاثين سنة على غيابه أمام الشاشة الصغيرة يظهر متأنقا و متألقا في عمله الجديد فرقة ناجي عطا الله ، و من خلال العنوان نستشف أن العمل داخل الفريق يكون ممتعا و منتجا و الفرقة لكي تؤدي عملها على خير وجه لابد من إتقانها فن التواصل الجيد و الإيمان بالعمل المنوط بها.
وهذا ما أدته فرقة عادل إمام الذي أعطبته إسرائيل في أرضه و ماله و أهله و ألحقت به هزائم ،فأراد الانتقام منها في الشيء الذي تعشقه و تقتل من اجله ألا و هو المال. زد على هذا ففرقة ناجي عطا الله كانت متنوعة المواهب و تتكامل فيما بينها و هذه رسالة الفكرة فحيث يكون التكامل يكمن الانتصار ،هذا الانتصار لكي يكتمل لابد له من محفزات عاطفية و مادية فالمال ليس غاية في حد ذاته كما يصور لنا المسلسل و لكن وسيلة لتحقيق غايات نبيلة .
و عندما نتحدث عن التوريث فالمسالة في غاية البساطة فهناك الممثل و هناك الفكرة العميقة التي لابد من نقلها إلى السطح و عدم غمرها في خضم من الانتقادات الجوفاء ،ففكرة المقاومة حاضرة في المسلسل بشكل مكثف و بأشكال متفاوتة فهناك مقاومة الإغراءات المادية و إعلاء كلمة الفضيلة و التعفف رغم الحاجة و هذا لمسناه في شخصيات عديدة سواء البطل الرياضي او أبوه، مقابل المنتفعين و المتكسبين من مواهب الغير بشكل يخجل منه الإنسان . إذن التوريث هنا لمعاني الاعتماد على الذات و التفاني في العمل و حب الأرض التي حبلت و أنجبت ، هذا التوريث لهذه القيم يأتي بعد عملية طويلة و مرهقة أمام طغيان معاني التفاهة الأخلاقية و الفنية . 

وعندما ننتقل الى شخوص العمل الفني نرى وجوها فنية تحمل أسماء تمتعنا مع فنها و تعلمنا مع أدائها فأصبحت أيقونات فنية رائعة ، فهناك نجلي عادل إمام رامي و محمد و أيضا ابن صلاح السعدني فهل وجود هؤلاء الأبناء في هذا العمل يمكن اعتباره توريثا فنيا ؟ و الإجابة على السؤال يتطلب نوعا من التحيز لمحراب الفن و الموهبة فهناك من الأعمال الفنية تعرض لتبقى إلى الأبد أو أنها تعرض لتتلف فيما بعد أو لتختفي من ذاكرة الناس و التاريخ ، و هذا ما يجعلنا نطمئن للذوق الرفيع فكما أن هناك دوقا في التأليف و الإخراج و التمثيل ،فهناك ذوق المتفرج عبر قارات واسعة من الثقافات و القيم و ساحات شاسعة من الذكاء الفني تكونت عبر تاريخ طويل من الشحذ و التراكم لا يمكن للتفاهة أن تمر أمامه بسرعة و بدون محاسبة. 

فتوريث الفنان لفنه شيء مطلوب و طبيعي ما دام الاحتكام إلى الموهبة و الإبداع مكفول للمتلقي بشكل ديمقراطي و بلا إكراه ، و لا يمكن لفنان يحترم فنه و يحترم المشاهد و يؤمن بسطوة الحكم التاريخي، لا يمكنه أن يغامر برصيده الذي عمل بجد و كد من اجل بقائه و أن يساهم في فرض ابنه لمجرد انه يريد ان يكرس الاسم الفني و يجعله في عقبه إلى يوم الدين .
فالفن هو الوحيد الذي يعبر عن الذات ويكشف المواهب و لا يمكن التعامل بمنطق التوريث السياسي في هذه المنطقة .فحساسية التذوق الجمالي الرفيع يوسع حيز الحق الديمقراطي في جعل العمل الفني ملكية عامة لا تحكمه سوى الكفاءة رغم الاسم أو النسب.
ومن هنا يمكننا التأكيد على أن حاجة الناس اليوم إلى من يعطيهم الأمل في النهوض و العمل و الحب ،و هذا ما لمسته في عمل عادل إمام ، رغم ما اكتنف العمل من انتهاكات على المستوى التقني و الحوار و هذه مسالة طبيعية و قابلة للمعالجة و النقد البناء داخل إطار و لا تبخسوا الناس أشياءهم .فالمسلسل ابرز قيما من التنافسية و حب الوطن و الأم و النزاهة ،و هذه قيم أخلاقية و جمالية أيضا لابد من إشاعتها و العمل على توطيد أركانها داخل مجتمعاتنا و توريثها هو المطلب الأساسي .

و لا يسعنا إلا أن نصفق للفنان عادل إمام الذي يعطي الفرصة للشباب الصاعد من اجل التعبير عن نفسه و إبراز مواهبه ، وهذا لا ينفي أن ننتقد مواقفه التي نرى انه بالغ في إبرازها و هنا يكمن الضعف الإنساني .لكن بسماحة و لطافة حتى يستفيد الكل و يتم إبداع حوار استفهامي حول مسائل وجودية عديدة من بينها الفن و الجمال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق