الأربعاء، 8 أغسطس 2012

مسلسل "باب الخلق" خامة درامية بمعالجة سطحية

 

الإرهاب الديني وإقصاء الآخر فكريا أو جسديا بشكل عنيف متطرف هو العنوان الكبير لكثير من التفاصيل والصراعات الدائرة منذ سنوات في مجتمعاتنا. وهو الموضوع الذي حاولت الدراما التلفزيونية والسينمائية تناوله بحيث أصبحت شخصية الإرهابي ضيفا في الكثير من الأعمال الدرامية، وأنتجت أعمالا كاملة تتناول هذا الموضوع الشائك الذي يتطلب الخوض في مناطق ثقافية وسياسية واجتماعية ودينية. ولكن بقيت المعالجات في المنطقية السطحية للقضية أو منطقة إعلان الموقف ورفض مفهوم الإرهاب لا تحليل أسبابه.

غالبا ما كانت هذه الأعمال تتوافق مع توجه الأنظمة في تناول هذه القضية كإعلان موجه ضد الإرهاب لا أكثر لأن التعمق والبحث في زواياها سيفتح بابا، هي لا تريده أن يفتح، يتعلق بدورها في تخصيب تربة الإرهاب بسياساتها ومشروعاتها الفاشلة.

الدراما العربية عموما وفي أي موضوع تتناوله تميل إلى التسطيح لا التحليل، وإلى تداول ما هو معروف لا نبش تربة الأسئلة والمسكوت عنه والوصول إلى حد الصدام مع ثقافة المجتمع، خاصة عندما يكون للموضوع شق يستند الى الدين حتى إن كان زيفا.


سطحية

لم يخرج مسلسل «باب الخلق» من تأليف محمد سليمان عبد الملك وإخراج عادل اديب عما هو سائد في تناول موضوع الإرهاب، أو لنقل أنه لم يقل شيئا أصلا على مدى أكثر من نصف عدد حلقات المسلسل حتى الآن.

هيأ المشاهد في حلقاته الأولى لأحداث تتعلق بتنظيم القاعدة حيث يظهر محمود عبد العزيز كأحد المجاهدين العرب العائدين من أفغانستان. ولكن المؤلف باختياره لتبرير ذهابه إلى هناك صدفة أو بتوريط من صديق سابق يسطح القضية من بدايتها، ويفلت أهم مفاتيح فهمها وفهم كيفية تشكل تلك العقلية الإرهابية ضمن بيئة حاضنة تفرّخ العديد من تلك النماذج. محفوظ ليس نموذجا للإرهابي أو المؤمن بذلك الفكر بشكل عقائدي، وحتى أنه يبقى هناك مرغما لا مختارا كما نرى في المسلسل. ولم يعد بعد مراجعة فكرية للنهج التكفيري أو الجهادي.


خطاب مباشر

مدرس لغة عربية يعود بعد عشرين عاما إلى وطنه فلا نشعر بغربته عن المكان الذي تغير كثيرا ولا دهشته من التبدلات التي طرأت على المجتمع المصري. هذه هي المفارقة الحقيقية والخيط الرئيسي الذي يفترض أن يكون مشكّلا لسياق أفعال وردود أفعال الشخصية. يحلق زلطة لحيته الطويلة ويغير ملابسه ويعود فورا الى حياته وحارته وكأنه غاب عنها لبضعة أيام فقط. لا دهشة ولا شعور بغربة عن المكان ولا قلق نفسي أو فكري بسبب هذه النقلات من مكان إلى مكان وزمان إلى زمان.

يعود كمن يصحو من نومه ليصبح مصلحا دينيا واجتماعيا يلقي بخطاباته عن التسامح والتعايش بين الأديان ونبذ التشدد الديني في مشاهد وحوارات مباشرة جدا يفتعلها المؤلف لتمرير هذه الخطابات.


صورة كارتونية

شخصيات المسلسل وأحداثه بدت كأنها لمسلسل كارتوني هزلي. رجال أمن الدولة متشنجين يصرخون من دون سبب ويرددون تساؤلات بلهاء عن أمور في منتهى الوضوح. محامي الجماعات الإسلامية الذي يؤدي دوره عزت أبو عوف شيطان يلعب على كل الحبال.

الإعلاميون مجموعة من الخبثاء أو البلهاء يبحثون عن سبق صحفي بأي طريقة لدرجة أن أحدهم يشعر بالسعادة لوجود قنبلة تكاد تنفجر في أحد «المولات» ويدعو أن يكون هذا الانفجار أمام كاميراتهم ليتم تصويره بشكل حصري للقناة التي يعمل بها.

الإرهابي القادم من أفغانستان تارة يكشر عن أنيابه وتارة أخرى يتصنع بعض الحركات بوجهه للتعبير عن الشر. أما الجماعات الإسلامية فلم تختلف الصورة التي قدمت بها في هذا العمل عن الصورة التي تقدم بها في جميع المسلسلات المصرية. مجرد مجموعة من البشر يرتدون الجلابيات القصيرة ويطيلون لحاهم ويتحدثون بطريقة متجهمة.


غياب الأفكار

عندما تغيب الأفكار عن عمل درامي تحضر الكليشيهات. وعندما يغيب العمق عن رسم الشخصيات وأبعادها وعلاقته بمحيطها وتفاعلاتها معه تسود النمطية. المؤلف الذي لا يمسك بخط حدث رئيسي ينسج حوله كل الخطوط الفرعية لن يقدم أكثر من أحداث مشتتة وضعيفة وأزمات مفتعلة. خامة درامية أضاعتها سطحية المعالجة وغياب التحليل. عدة محاور توافرت في المسلسل للعمل عليها تمت ملامستها لا تفعيلها دراميا. إضافة الى الجماعات الإسلامية والجهادية هناك، الإعلام والحزب الوطني وأمن الدولة والحارة التي تختزل التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها مصر في عشرات السنوات الماضية.

 
عودة غير موفقة

محمود عبد العزيز واحد من أهم الممثلين المصريين وأعماله التلفزيونية علامات لا تنسى ومنها بالطبع مسلسل «رأفت الهجان». ولكن عودته إلى الشاشة الفضية بعد غياب تسع سنوات ليست بأفضل من عودة محفوظ زلطة الذي يؤدي دوره في المسلسل. شخصية باهتة ضائعة بين الجدية والسخرية على مستوى الأداء مثل كثير من شخصيات العمل. عزت أبو عوف ومحمود الجندي وسناء شافع وغيرهم لا يتوهجون في دراما التسطيح رغم محاولاتهم إضفاء أبعاد على الشخصيات ولكنها لم تتجاوز حد ما هو شكلي ونمطي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق