الخميس، 16 أغسطس 2012

فوزية سلامة تكتب: آخر كلام

لماذا يفرض كتاب النصوص التليفزيونية علي الجمهور المصري والعربي من المشاهدين قاموس البذاءة اللفظية بذريعة انها ثقافة الحارة والشارع, أو بذريعة الجمهور عايز كدة؟ انا وانت وهي وهو هم الجمهور. وانا عن نفسي أبغض البذاءة بكافة انواعها واشكالها الي درجة تدعوني احيانا لضغط زر التشغيل بأقصي سرعة لتغيير القناة اذا شاهدت رأس فيفي عبده يتحرك وكأنه علي زمبرك والعبارات تنطلق من بين شفتيها كالقذائف الموجهة.

هذا العام دون غيره فرضت القنوات الفضائية علي المشاهد انواع جديدة من الطغيان بدءا بما ذكرت من الحوار البذئ وكأنه جزء من مؤامرة لكي ينسي المشاهد قيم الجمال ويتبني القبح كوسيلة للتفاهم والتواصل. اذا تعودت العين والاذن علي الوجوه القبيحة والالسنة الاقبح والافعال العنيفة تسربت تلك المعاني الي الاذهان واصبحت جزءا من السلوك. الشتائم والخلاعة وضرب النار واراقة الدماء هي العملات المتداولة التي لم يكن المشاهد المصري في الماضي تعود عليها او قبل بها.

لقد ذكرت في مقال سابق انني تابعت مسلسل الخواجة عبد القادر لأنه عمل توفرت له عناصر فنية عالية . ومن خلال متابعتي اكتشفت وجها آخر لطغيان الفضائيات. كنت اجلس بصبر جميل لكي اشاهد بضع دقائق من الدراما التي اخترت للمتابعة ثم يطول صبري حين يغتال الفاصل الاعلاني سكوني انتظارا لاستئناف العمل الدرامي. ومن فرط الضيق و الذهول قررت القيام بتجربة بسيطة وهي انني بعد مشاهدة الخمس دقائق من الدراما نظرت الي الساعة ثم ضغطت زر تشغيل الصوت لكي تصمت جلبة الاعلانات وركزت انتباهي علي الشاشة حتي تنتهي الاعلانات ويستأنف بث المسلسل.

وكدت الا اصدق نفسي حين اكتشفت ان الفاصل الاعلاني استمر ٢٠ دقيقة كاملة. وبحسبة بسيطة ادركت ان الزمن المخصص للاعلان يساوي اربعة اضعاف الزمن الذي خصصته القناة لبث المسلسل الذي اختار المشاهد ان يتابعه. ومعني هذا ان العمل الفني اصبح ملء فراغ لفرض طغيان غسل الادمغة بالاعلانات. الهدف من الاعلان هو جني الارباح الخيالية للقناة وجني الارباح للشركات المنتجة للبضائع المعلن عنها . والمشاهد هو الهدف والضحية ان لم يكن لأن الاعلان يسوقه لشراء ما لا ينفع فلأن تكاليف الاعلان تحمل علي سعر المنتج. أي انها في النهاية تخرج من جيبه لا من جيب اصحاب القنوات او اصحاب الشركات.

من المعروف ان ان الشيئ الذي يزيد عن حده ينقلب الي ضده . ومن فرط تكرار اعلان بعينه يروج لمشروب غازي معين اقسمت الا اقرب ذلك المشروب مدي الحياة. والغريب ان بعض الاعلانات التي لم تعتمد علي النجوم بل علي الجرافيك كانت اكثر نجاحا ربما لأنها اعتمدت علي الابتكار . وحتي اكون منصفة اقول ان بعض الاعلانات الخالية من الرقص والغناء والتي اعتمدت علي فكرة جيدة لفتت انتباهي مثل اعلان قوطونيل. وفي النهاية يجب الاعتراف بأن تصميم واخراج الاعلانات هو فن له مستويات واصول وينطوي علي الكثير من الابداع . فما هو المطلوب اذن؟ المطلوب هو رسم الحدود . لماذا لا توضع قواعد وقوانين تحدد وقت الاعلان بعشرين في المئة من وقت البث مثلا. وأن ويحدد عدد المرات التي يتكرر فيها الاعلان نفسه خلال ساعة من البث حتي لا يشعر المشاهد بأنه فأر في مصيدة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق